الرواية – 2022
هذه هي السنة الثانية لمسابقة إيهاب الورداني يرحمه الله، وهي مخصصة هذا العام للرواية، وقد اختار أعضاء اللجنة الموقرة خمس روايات، هي ( ماذا عن بقلظ) لنورهان نشأت فكري، و ( آدم ) لإبراهيم محمد، و ( الغريب ) لأحمد عبد الموجود الشيخ، و(قبطيم) لمحمود هشام، و ( شهاب في سماء الحاكم) لريم محمد البسيوني.
ونحن في تناولنا لهذه الروايات سنركز على أمرين أولهما اللغة وستكون درجاتها ٤٠٪، أما الأمر الآخر فهو البناء الفني للرواية، والذي يتضمن الحبكة والشخصيات ووجهة النظر، وغيرها من التقنيات الفنية وستكون درجاتها ٦٠٪.
كان نخلة تفرد أشرعتها للسماء طالبة المدد، وتدلى سباطها لقلوب تجاوزت أشواقها الرؤية إلى حنين ذوق الثمار . بلحها فى كل دار .
© 2023. جميع الحقوق محفوظة
رئيس لجنة التحكيم
١- (ماذا عن بقلظ) لنورهان نشأت
رغم أن الرواية تتناول قضية مهمة ومصيرية بالنسبة للإنسان العربي، ألا وهي القضية الفلسطينية، إلا أن الأمر في الأدب والفن ليس بالنيات، فالفكرة وحدها مهما كانت أهميتها لا تكفي، فالأمر يتعلق أساسا بالمعالجة الفنية، كيف جسد لنا الكاتب فكرته، وكيف قدم شخصياته، وكيف استخدم اللغة.
وهذه الرواية أولا مليئة بالأخطاء اللغوية نحوا وإملاء، كما نلاحظ عدم القدرة على توظيف اللغة داخل السياق الروائي.
وثانيا فإن الرواية من ناحية البناء الفني مهلهلة، وهي تنقسم إلى قسمين يكادان ينفصلان عن بعضهما كل الانفصال، حيث يدور القسم الأول في الأرض المحتلة، أما القسم الثاني فيدور داخل مصر، ولا علاقة للقسمين ببعضهما ألبتة.
وكأنما الكاتبة قد نسيت تماما ما كتبته في القسم الأول، فانطلقت في القسم الثاني تكتب رواية جديدة تماما، لا علاقة لها بما جرى في القسم الأول.
التقييم
اللغة: ٢٠
البناء الفني: ٣٠
المجموع: ٥٠
٢: (آدم) إبراهيم محمد
سوف تروعنا منذ البداية الأخطاء اللغوية الكثيرة كما كان العمل السابق، أما حين نقرأ الرواية فسوف نفاجأ أننا أمام مجموعة من القصص القصيرة المنفصلة التي لا يجمعها إلا وحدة البطل الذي تدور حوله هذه القصص.
فكل قصة إنما تدور حول حدث من الأحداث التي قابلته في حياته، والعمل بهذا أقرب ألى ما يسميه النقاد بالحلقة القصصية منه إلى الرواية، إذ تتكون الحلقة القصصية من مجموعة من القصص القصيرة التي تتجمع كل منها باستقلالها الذاتي، وإن ارتبطت ببعضها البعض من خلال وحدة البطل ووحدة المكان.
وقد يكون لهذا العمل بعض التميز كحلقة قصصية، لكن من الصعب أن نعده رواية.
التقييم
اللغة: ٢٠
البناء الفني: ٣٥
المجموع: ٥٥
٣: (الغريب) لأحمد عبد الموجود الشيخ
لعلنا هذه المرة لم نفاجأ بكثرة الأخطاء اللغوية نحوا وإملاء، فهذا ما اعتدنا عليه من الروايتين السابقتين، لكننا فوجئنا حقا بأن الرواية مكتوبة بشكل أقرب إلى السيناريو السينمائي منه إلى الرواية، بل إننا كثيرا ما نجد مصطلحات السيناريو مبعثرة على صفحات الرواية مثل ( شتاء – ظلام – فلاش باك – بعد مرور شهر ….. الخ )
ورغم أن فن الرواية قد يتقبل مثل هذه الأشكال السينمائية ويستفيد منها، فإنها يجب أن تندمج في البناء الفني للرواية، وتندغم في فضائها العام، وتوظف في خدمة الشكل النهائي للرواية، وهذا ما لم يحدث في هذا العمل، الذي ظل أقرب إلى السيناريو المكتوب منه إلى الرواية.
أما السلبية الأخرى في هذا العمل، فهي سيطرة الأفكار الفلسفية والمحاورات الذهنية المجردة في كثير من الصفحات، حتى لنظن أحيانا أننا نطالع كتابا فلسفيا، وليس رواية يتحرك فيها أشخاص حقيقيون من لحم ودم.
التقييم
اللغة: ٢٠
البناء الفني: ٣٥
المجموع: ٥٥
٤: (قبطيم) لمحمود هشام
لعل أول ما لفتني في هذه الرواية هو شجاعة الكاتب الذي خاض مغامرة كبرى يحسد عليها في تجديد الشمل الروائي، من خلال العودة إلى التراث الأسطوري العربي، فهو يتناول في هذه الرواية التاريخ المصري القديم من خلال أساطير المؤرخين القدامى التي تؤكد أن مصر استمدت اسمها من الملك (مصرايم) حفيد سيدنا نوح عليه السلام، وأن قبطيم هو الذي حكم مصر من بعد موت أبيه مصرايم، ومن هنا عرف المصريون بالقبط.
ولعل أهم ميزة في هذه الرواية هي قدرة الكاتب على توظيف اللغة داخل هذا السياق الأسطوري، فقد استطاع أن يتماهى مع لغة الأساطير، وأن يلامس لغة المؤرخين القدامى، وأن يستلهم الملاحم الشعبية، وإن كان قد وقع أيضا كسابقيه في كثير من الأخطاء اللغوية.
وكان يمكن لهذه الرواية أن تكون رواية مميزة، بل أن تكون رواية رائدة بالفعل، لكن – وآه من لكن – يبدو أن الكاتب قد استهواه الشكل فقط، فأخذ يكرر أحداثا متشابهة عبر فصول الرواية، مما جعل الرواية أشبه بالفصول المتفرقة التي لا تجمع شتاتها فكرة محورية، ولا يسيطر عليها بناء فني محكم.
التقييم
اللغة: ٢٥
البناء الفني: ٣٥
المجموع: ٦٠
٥: (شهاب في سماء الحاكم) لريم محمد البسيوني
شهاب في سماء الحاكم هي رواية تاريخية بامتياز، والرواية التاريخية نوع من الروايات يمتزج فيه التاريخ بالخيال، إذ تهدف الرواية التاريخية إلى تصوير عصر من العصور أو حدث من الأحداث أو شخصية من شخصيات التاريخ، بأسلوب روائي قد يكون مبنيا على معطيات التاريخ، وإن كان الكاتب لا يتقيد بها في أغلب الأحيان، خصوصا في تفاصيل الحياة اليومية، التي يغفلها المؤرخون في العادة.
والكاتب حين يلجأ إلى التاريخ، فإن هذا لا يعني أنه يهرب من الواقع المعيش، ولكنه قد يفعل هذا، لكي يجعلنا نرى ما نعيشه في الواقع وهو ينعكس أمامنا على مرايا التاريخ، فالكاتب إذ يتذكر التاريخ إنما يفكر في الحاضر ويحلم بالمستقبل، وهذا ما حاولت الكاتبة أن تفعله في روايتها ( شهاب في سماء الحاكم).
تتناول الرواية شخصية تاريخية مختلفا عليها، هي شخصية الصوفي الفيلسوف شهاب الدين السهروردي، الذي حوكم بسبب آرائه التي رآها بعض الفقهاء زندقة وخروجا على تعاليم الدين الصحيح، مما تسبب في سجنه وإعدامه في النهاية.
ولعل الكاتبة هنا تشتبك مع حاضرنا المأزوم، حيث تنعدم الديمقراطية، ويسود القمع، ويكبت كل رأي مخالف لرأي الحاكم.
البناء الفني للرواية
الرواية تتبع حياة السهروردي القصيرة منذ ميلاده حتى موته وهو في صدر شبابه، فقد كان عمره حينذاك لا يتجاوز سنة وثلاثين عاما.
وقد استخدمت الكاتبة عدة تقنيات فنية استطاعت من خلالها أن تقدم لنا شخصية السهروردي، بحيث استوى أمامنا شخصا حقيقيا من لحم ودم، ونستطيع أن نوجز هذه التقنيات الفنية في الآتي:
١: تعدد الأصوات.
٢: رمز الشهاب.
٣: قصة الحب بين السهروردي ومريم.
وهذا ما سنتناوله بالتفصيل.
أولا: تعدد الأصوات:
لم تستخدم الكاتبة في روايتها راويا واحدا نرى أحداث الرواية من خلال وجهة نظره وحدها، وإنما لجأت إلى تقنية تعدد الأصوات، وهذا ما جعلنا نرى حياة السهروردي من جوانبها المختلفة وزواياها المتعددة، فقد استخدمت الراوي العليم والراوي المشارك، كما استخدمت أسلوب المذكرات، وتفصيل ذلك فيما يلي:
١: الراوي العليم:
الراوي العليم كما يعرفه النقاد هو الراوي المحيط علما بالظاهر والباطن، وهو يستطيع أن ينتقل في الزمان والمكان دون معاناة، ويرفع أسقف المنازل فيرى ما بداخلها، ويشق قلوب الشخصيات، ويغوص فيها، ويتعرف على أخفى الدوافع وأعمق الخلجات.
وقد استخدمت الكاتبة أسلوب الراوي العليم في الفصل الأول وحده، وكان استخداما موفقا تماما، فالفصل الأول بمثابة المدخل الأساسي للرواية، الذي نتعرف من خلاله البيئة التي تدور فيها أحداث الرواية، حيث عرفنا الزمان والمكان، كما عرفنا الأسرة التي ولد فيها السهروردي، وأهم الأحداث التي وقعت قبل مولده، وأهم الشخصيات التي سوف تقابلنا بعد ذلك في الرواية.
٢: الراوي المشارك:
الراوي المشارك يكون أحد شخوص الرواية المشاركين في أحداثها، والذي يحكي الأحداث من خلال وجهة نظره، وهو هنا سليمان حارس السجن الملازم للسهروردي في سجنه، والذي كان يتعاطف معه.
وقد كان اختيار هذا الراوي موفقا جدا لأنه يطلعنا على ما يدور في السجن من ناحية، كما يطلعنا على ما يدور خارجه من ناحية أخرى.
وهذا الراوي هو ما يقابلنا في أغلب فصول الرواية، فهو يلازمنا منذ الفصل الثاني ويستمر معنا في الفصلين الثالث والرابع، ثم يغيب عنا قليلا في الفصل الخامس، حيث سنرى الأحداث من خلال مذكرات السهروردي، ثم يعود إلينا هذا الحارس في الفصل السادس والأخير، ليحكي لنا النهاية الأليمة للسهروردي.
٣: المذكرات:
هذه المذكرات نها في الفصل الخامس كما سبق أن أشرنا، وهي مذكرات كتبها السهروردي في الأوراق التي هربها إليه سليمان داخل سجنه.
وكانت هذه المذكرات ضرورية لأننا تعرفنا من خلالها على شخصية السهروردي من الداخل، واستطعنا أن نتعرف على الرحلة الروحية التي قطعها،حتى أشرقت في قلبه الأنوار واستغرق في الحب الإلهي.
ثانيا: رمز الشهاب:
كان رمز الشهاب الذي استخدمته الكاتبة موفقا جدا في هذه الرواية، فهو أولا يتوافق مع اسم شهاب الدين السهروردي، كما انه ثانيا يخترق أجواء الرواية من أولها إلى آخرها، مما يضفي عليها نوعا من الحبكة واتساق التصميم.
فنحن نرى الشهاب في أول الرواية، حيث يرى الوالد يوم مولد السهروردي شهابا يلمع في السماء، فيستبشر خيرا، لكن هذا الشهاب الحقيقي ما يلبث أن يتحول إلى حلم يقابلنا في أجزاء كثيرة من الرواية، ففي يوم وفاة الوالد رأى رؤيا أخافته، حيث يرى الشهاب نفسه “يلتمع في السماء، ثم رآه يسقط على الأرض، ويترك فيها فجوة عميقة”ص ٥٣
ثم بعد ذلك يرى السهروردي الحلاج في منامه، فيسأله عن تأويل رؤيا أبيه، فلم يجبه الحلاج، ثم نراه في نهاية الرواية يعلق على قرار قتله قائلا:
” الآن عرفت تأويل رؤياك يا أبي “
هكذا يخترق الشهاب الرواية بدءا من عنوانها حتى نهايتها.
٣: قصة الحب بين السهروردي ومريم:
من المؤكد أن هذه قصة مخترعة من الكاتبة، وأنها عمل من أعمال التخييل الروائي، لكن هذه القصة جسدت لنا معاناة السهروردي ورحلته الشاقة، إلى عالم النور والعشق الإلهي.
فمريم هذه ابنة صديق لوالد السهروردي، توفي والداها فكفلها الوالد، حيث عاشت في أحضان الأسرة، ونشأت بينها وبين السهروردي علاقة عاطفية وثيقة تجمع بين مشاعر الحب وعواطف الأخوة.
وكان الواجب يقتضي من السهروردي أن يتزوجها، لكنه وهو المتعلق بحب الله وحده، يترك الدنيا بكل متاعها، حتى لو كانت زوجة صالحة تعينه على أمر دينه ودنياه، ويقبل على النور الإلهي، لأنه لا يريد لله شريكا في حبه، فقد شكلت مريم في هذه الرواية معادلا موضوعيا للدنيا بكل مغرياتها ومميزاتها.
لغة الرواية
لغة الكاتبة في مجملها جميلة وجيدة، وإن اعتورتها بعض الأخطاء اللغوية نحوا وإملاء، ونرجو أن تتخلص منها الكاتبة، وقد جاءت اللغة متوافقة في أغلب الأحيان مع لغة العصر الذي تدور فيه الأحداث.
كما جاءت اللغة متوافقة مع السياق الروائي، ومعبرة عن طبيعة الشخصية، فنحن نرى لغة الحارس غير المثقف تختلف إلى حد كبير عن اللغة على لسان السهروردي العالم والشاعر الصوفي.
وقد أحسنت الكاتبة حين أوردت في مقدمة كل فصل مقطعا قصيرا من كتابات السهروردي، لأن هذا يقربنا كثيرا من أجواء الرواية.
وإن كنت أرى أن الكاتبة كان عليها أن تبذل جهدا أكبر في التماهي أكثر مع لغة السهروردي والاستفادة منها خصوصا في الفصل الذي قدمت فيه مذكراته، فلو فعلت ذلك لكانت الرواية أفضل بكثير، وهذا لا ينفي بأي حال جودة الرواية.
التقييم
اللغة: ٣٠
البناء الفني: ٥٠
المجموع: ٨٠
النتيجة النهائية:
المركز الأول: ريم محمد البسيوني عن روايتها ( شهاب في سماء الحاكم)، بنسبة ٨٠٪.
المركز الثاني: محمود هشام عن روايته ( قبطيم ) بنسبة ٦٠٪.